فصل: كتاب الحرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***


كتاب الحرب

آداب الحرب ومكايدها

للرسول في عدم تمني لقاء العدو قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلابن قتيبة‏:‏ حدّثني محمد بن عبيد ة قال‏:‏ حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام والأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير قال‏:‏ قال رسول اللّه‏:‏ ‏"‏لا تمنّوا لقاء العدوّ فعسى أن تبتلوا بهم ولكن قولوا اللهم اكفنا وكفّ عنا بأسهم، وإذا جاءوكم يعزفون ويزحفون ويصيحون فعليكم الأرض جلوسًا، ثم قولوا‏:‏ اللهم أنت ربنّا وربّهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم‏"‏‏.‏

لأبي الدرداء في القتال بالأعمال

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سعيد بن عبد العزيز عمن حدّثه أنّ أبا الدرداء قال‏:‏ أيهم الناس، عملٌ صالح قبل الغزو فانما تقاتلون بأعمالكم‏.‏

لعمر بن الخطاب عند عقده الألوية لأمراء الجيوش

حدّثنا القاسم بن الحسن عن الحسن بن الربيع عن ابن مبارك عن حيوة بن شريح قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى اللّه العظيم، ثم قال عند عقد الألوية‏:‏ بسم اللّه وعلى عون اللّه وامضوا بتأييد اللّه بالنصر وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل اللّه من كفر باللّه ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين‏.‏ لا تجنبوا عند اللقاء ولا تمثّلوا عند القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرمًا ولا امرأة ولا وليدًا‏.‏ وتوقّوا قتلهم إذا التقى الزّحفان وعند حمّة النّهضات وفي شنّ الغارات‏.‏ ولا تغلّوا عند الغنائم ونزّهوا الجهم د عن عرض الدنيا وأبشروا بالرّباح في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم‏.‏

وصية أكثم بن صيفي لقوم استشاروه في حرب

استشار قوم أكثم بن صيفيّ في حرب قوم أرادوهم وسألوه أن يوصيهم فقال‏:‏ أقلّوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل والمرء يعجز لا محالة‏.‏ تثبّتوا فإن أحزم الفريقين الرّكين، وربّت عجلةٍ تعقب ريثا، وآتزروا للحرب وادّرعوا الليل فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف عليه‏.‏

وقال بعض الحكماء‏:‏ قد جمع اللّه لنا أدب الحرب في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يأيّهم الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا وآذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين‏}‏‏.‏

قول عتبة بن ربيعة لأصحابه يوم بدر

حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعيّ قال‏:‏ قال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه‏:‏ ألا ترونهم - يعني أصحاب النبي - جثيًّا على الرًكب كأنهمخرسٌ يتلمًظون تلمًظ الحيًات‏.‏ قال‏:‏ وسمعتهم عائشة يكّبرون يوم الجمل فقالت‏:‏ لا تكنثروا الصياح فإن كثرة التكنبير عند اللقاء من الفشل‏.‏

وصية أبو بكر ليزيد بن أبي سفيان

وذكر أبو حاتم عن العتبيّ عن أبي إبراهيم قال‏:‏ أوصى أبو بكر رضي اللّه عنه يزيد بن أبي سفيلن حين وجّهه إلى الشام فقال‏:‏ يا يزيد سر على بركة اللّه‏.‏ إذا دخلت بلاد العدوّ فكن بعيدًا من الحملة فإنة لا آمن عليك الجولة‏.‏ وآستظهر بالزاد وسر بالأدلاّء ولا تقاتل بمجروح فإنّ بعضه ليس منه، وآحترس من البيات فإنّ في العرب غرّة، وأقلل من الكلام فإنما لك ما وعي عنك‏.‏ وإذا أتاك كتابي فأنفذه فإنما أعمل على حسب إنفاذه‏.‏ وإذا قدمت عليك وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك وأسبغ عليهم النفقة و امنع الناس عن محادثتهم ليخرجوا جاهلين كما دخلوا جاهلين‏.‏ ولا تلحّن في عقوبة‏"‏فإن أدناهم وجع‏"‏ولا تسرعنّ إليهم وأنت تكنتفي بغيرهم‏.‏ واقبل من التاس علانيتهم وكلهم إلى اللّه في سرائرهم‏.‏ ولا تجسّس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده‏.‏ وأستودعك اللّه الذي لا تضيع ودائعه‏.‏

وصية أبو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان

‏"‏قال بو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان‏:‏ يا عكرمة سر على بركة اللّه ولا تنزل على مستأمن ولا تؤمّنن على حق مسلم وأهدر الكفر بعضه ببعض‏.‏ وقدّم النّذر بين يديك‏.‏ ومهما قلت إني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغوًا في عقوبة ولا عفو‏.‏ ولا ترج إذا أمّنت زلا تخافنّ إذا خوّفت ولكن انظر متى تقول وما تقول‏.‏ ولا تعدنّ معصية بأكثر من عقوبتنا فإن فعلت أثمت وإن تركت كذبت‏.‏ ولاتؤمّنن شريفًا دون أن يكفل بأهله ولا تكنفلنّ ضعيفًا أكثر من نفسه‏.‏ واتق اللّه فإذا لقيت فاصبر‏"‏‏.‏

وصية عبد الملك بن صالح إلى أمير سرية إلى بلاد الروم

وأوصى عبد الملك بن صالح أمير سريّة إلى بلاد الروم فقال‏:‏ أنت تاجر اللّه لعباده فكن كالمضارب الكيّس الذي إن وجد ربحًا تجر، وإلا احتفظ برأس المال‏.‏ ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة‏.‏ وكن من احتيالك على عدوّك أشدّ حذرًا من احتيال عدوّك عليك‏.‏

وصية رسول اللّه إلى عمرو بن العاص أو زيد بن حارثة

وحدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة قال‏:‏ أخبرني رجل من أهل المدينة أنّ رسول اللّه قال ليزيد بن حارثة أو لعمرو بن العاص‏:‏ ‏"‏إذا بعثتكن في سرية فلا تتنقّهم واقتطعهم فإن اللّه ينصر القوم بأضعفهم‏"‏‏.‏

فيمن لا يخرج إلى الغزو

حدّثني محمد بن عبيد‏"‏عن ابن عيينة‏"‏عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال‏:‏ غزا نبي من الأنبياء أو غير نبي فقال‏:‏ ‏"‏لا يغزونّ معي رجل بنى بناء لم يكمله، ولا رجل تزوّج امرأة لم يبن بهم، ولا رجل زرع زرعًا ثم لم يحصده‏"‏‏.‏

كلام عليّ رضي اللّه عنه لأصحابه يوم صفين

‏"‏وذكر ابن عباس عليًّا فقال‏:‏ ما رأيت رئيسًا يوزن به‏.‏ لرأيته يوم صفّين وكأنّ عينيه سراجا سليط وهو يحمّس أصحابه إلى أن انتهى إليّ وأنا في كثفٍ فقال‏:‏ معشر المسلمين، استشعروا الخشية وعنّوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأكملوا اللّؤم وأخفوا الخون وقلقلوا السيوف في أغمادهم قبل السّلّة والحظوا الشّزر واطعنوا النّبر ونافحوا بالظّبا و صلوا السيوف بالخطا والرماح بالنّبل وامشوا إلى الموت مشيًا سجحا‏.‏ وعليكم بهذا السواد الأعظم والرّواق المطنّب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكد في كسره نافج خصييه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يدًا وأخّر للنّكوص رجلًا‏"‏‏.‏

بين يزيد بن معاوية وسلابن زياد

ولما ولّى يزيد بن معاوية سلابن زياد خراسان قال هل‏:‏ إن أباك كفى أخاه عظيمًا، وقد استكنفيتكن صغيرًا فلا تتكنلنّ على عذر مني فقد اتكنلت على كفاية منك‏.‏ وإياك منّي أن أقول إياي منك، فإنّ الظن إذا أخلف فيك أخلف منك‏.‏ وأنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه، وقد أتعبك أبوك فلا تريحنّ نفسك، وكن لنفسك تكن لك، واذكر في يومك أحاديث غدك ترشد إن شاء اللّه‏.‏

لأم جبغويه ملك طخارستان فيما ينبغي للأمير

قال الأصمعيّ‏:‏ قالت أم جبغويه ملك طخارستان لنصر بن سيّار الليثي‏:‏ ينبغي للأمير أن تكون له ستة أشياء‏:‏ وزير يثق به ويفشي إليه سرّه، وحصن يلجأ إليه إذا فزع فينجيه - يعني فرسًا - وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف خونه، وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذهم، وامرأة إذا دخل عليهم أذهبت همّه، وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع لم ما يشتهيه‏.‏

للرسول عليه الصلاة والسلام

وبلغني عن عبّاد بن كثير عن عقيل‏"‏بن خالد‏"‏عن الزّهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول اللّه‏:‏ ‏"‏خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة الاف وما غلب قوم قطّ يبلغون اثني عشر ألفًا إذا اجتمعت كلمتهم‏"‏وقال رجل يوم حنين‏:‏ لن نغلب اليوم عن قلّة‏.‏ وكانوا اثني عشر ألفًا فهزم المسلمون يومئذ وأنزل اللّه عزو جل‏:‏ ‏{‏ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم‏}‏ الآية‏.‏

ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه

وقالوا كان يقال‏:‏ ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه‏:‏ البغي، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يأيّها النّاس إنما بغيكم على أنفسكم‏}‏، والمكر، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحيق المكر السّيّء إلا بأهله‏}‏ والنّكث، قال عز وجل‏:‏ ‏{‏فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه‏}‏‏.‏

من كتاب للهند

وقرأت في كتاب للهند‏:‏ لاظفر مع بغي، ولا صحّة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خبّ، ولا شرف مع سوء أدب، ولا برّ مع شحٍّ، ولا اجتناب محرّم مع حرص، ولا محبة مع زهو، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع ريبة، ولا راحة قلب مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رئاسة مع غرارة وعجب، ولا صواب مع ترك المشاورة، ولا ثبات ملك مع تهم ون وجهم لة وزراء‏.‏

لقتيبة بن مسلم في صفة المحارب

خرجت خارجة بخراسان على قتيبة بن مسلم فأهمّه ذلك فقيل له‏:‏ ما يهمّك منهم‏؟‏ وجّه إليهم وكيع بن أبي سود فإنه يكفيكهم‏.‏ فقال‏:‏ لا، إنّ وكيعًا رجل به كبر يحتقر أعداءه، ومن كان هكذا قلّت مبالاته بعدوّه فلم يحترس منه فيجد عدوّه منه غرّة‏.‏

لأحد ملوك العجم في المكيدة بالحرب

وقرأت في بعض كتب العجم أنّ ملكًا من ملوكهم سئل‏:‏ أيّ مكائد الحرب أحزم‏؟‏ فقال‏:‏ إذكاء العيون واستطلاع الأخبار وإفشاء الغلبة وإظهم ر السرور وإماتة الفرق والاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمن يستنصح ولا استنصاح لمن يستغشّ ولا تحويل شيء عن شيء إلا بسدّ ناحية من المراتب وحسن مجاملة الظنون وإشغال الناس عما هم فيه من الحرب بغيره‏.‏

وسئل عن وثائق الحزم في القتال فقال‏:‏ مخاتلة العدوّ عن الرّيف وإعداد العيون على الرّصد وإعطاء المبلّغين على الصدق ومعاقبة المتوصّلين بالكذب وألا تحرج هم ربًا إلى قتال ولا تضيّق أمانًا على مستأمن ولا تشبّ عن أصحابك للبغية و لا تشدهنّك الغنيمة عن المحاذرة‏.‏

من كتاب للهند

وقرأت في كتاب للهند‏:‏ الحازم يحذر عدوّه على كل حال‏.‏ يحذر المواثبة إن قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولّى، والمكر إن رآه وحيدًا، ويكره القتال ما وجد بدًّا لأن النفقة فيه من الأنفس والنفقة في غيره من المال‏.‏

من كتاب الآيين في فن المحاربة

وقرأت في الآيين‏:‏ قد جرت السنة في المحاربة أن يوضع من مكان من الجند أعسر في الميسرة ليكون لقاؤه يسرًا ورميه شزرًا وأن يكون اللقاء من الفرسان قدمًا وترك ذلك على حال ممايلة أو مجانبة وأن يرتاد للقلب مكانًا مشرفًا ويلتمس وضعه فيه فإن أصحاب الميمنة والميسرة لا يقهرون ولا يغلبون وإن زالتا بعض الزوال ما ثبت المادّتان فإن زالت المادّتان لم ينتفع بثبات الميمنة والميسرة‏.‏‏"‏وإذا عيّ الجند فليناوش أهل الميمنة والمادّتان فأما الميسرة‏"‏فلا يشذنّ منهم أحد إلاّ أن يبادر إليهم من العدوّ من يخاف بائقته فيردّون عاديتهم مع أنّ أصحاب الميمنة والمادّتين لا يقدرون على لقاء من يناوشهم والرجوع إلى أصحابهم عاطفين، وأصحاب الميسرة لا يقدرون على مناوشة إلا مائلين ويعجزهم الرجوع عاطفين‏.‏ ولا يألونّ صاحب الجيش على حال من الحال أن يستدبر جنده عين الشمس والريح، ولا يحاربنّ جندًا إلا على أشدّ الضرورة وعلى حال لا يوجد معهم من المحاربة بدٌّ، فإذا كان كذلك فليجهد صاحب الجيش أن يدفع بالحرب إلى أخر النهم ر‏.‏ وينبغي على كل حال أن يخلّى بين المنهزمين وبين الذهم ب ولا يحبسوا‏.‏ وإن كان الجند قد نزلوا على ماء وأراد العدوّ أن ينالوا من الماء فليس من الرأي أن يحال بينهم وبينه لئلا يحرجوا إلى الجدّ في محاربتهم‏.‏ وإن كان العدو قد نزلوا بماء وأراد الجند غلبتهم عليه فإن وقت طلب ذلك عند ريّ العدوّ من الماء وسقيهم دوابّهم منه وعند حاجة الجند إليه، فإن أسلس ما يكون الإنسان عن الشيء عند استغنائه عنه وأشدّ ما يكون طلبًا للشيء عند حاجنه إليه‏.‏ ولتسر الطلائع في قرار من الأرض ويقفوا على التّلاع ولا يجوزوا أرضًا لم يستقصوا خبرهم‏.‏ وليكمن الكمين في الخمر والأماكم الخفية‏.‏ وليطرح الحسك في المواضع التي يتخوّف فيهم البيات‏.‏ وليحترس صاحب الجيش من انتشار الخبر عنه فأن في انتشاره فساد العسكر وانتقاضه‏.‏وإذا كان أكثر من في الجند من المقاتلة مجرّبين ذوي حنكة وبأس فبدار العدوّ الجند إلى الوقعة خير للجند‏.‏وإذا كان أكثرهم أغمارًا ولم يكن من القتال بدّ فبدار الجند إلى مقاتلة العدوّ أفضل للجند‏.‏ وليس ينبغي للجند أن يقاتلوا عدوًّا إلا أن تكون عدّتهم أربعة أضعاف عدّة العدوّ أو ثلاثة أضعافهم، فإن غزاهم عدوّهم لزمهم أن يقاتلوهم بعد أن يزيدوا على عدّة العدو مثل نصف عدّتهم‏.‏ وأن توسط العدوّ بلادهم لزمهم أن يقاتلوهم وإن كانوا أقل منهم، وينبغي أن ينتخب للكمين من الجند أهل جرأة وشجاعة وتيقّظ وصرامة وليس بهم أنين ولا سعال ولا عطاس ويختار لهم من الدواب ما لايصهل ولا يغنث، ويختار لكمونهم مواضع لا تغشى ولا تؤتى، قريبة من الماء حتى ينالوا منه إن طال مكثهم، وأن يكون إقدامهم بعد الرويّة والتشاور والثقة بإصابة الفرصة، ولا يخيفوا سباعًا ولا طيرًا ولا وحشًا‏.‏ وأن يكون إيقاعهم كضريم الحريق، وليجتنبوا الغنائم ولينهضوا من المكمن متفرقين إذا ترك العدوّ الحراسة وإقامة الرّمايا، وإذا أونس من طلائعهم توانٍ وتفريطٌ وإذا أمرجوا دوابّهم في الرعي، وأشدّ ما يكون البرد في الشتاء وأشدّ ما يكون الحر في الصيف‏.‏ وأن يرفضّوا ويفترقوا إذا ثاروا من مكمنهم بعد أن يستخير بعضهم بعضًا وأن يسرعوا الإيقاع بعدوّهم ويتركوا التلبّث والتلفّت‏.‏ وينبغي للمبيّتين أن يفترصوا البيات إذا هبّت ريح أو أونس من نهر قريب منهم خريرٌ فإنه أجدر ألا يسمع لهم حسّ‏.‏ وأن يتوخّى بالوقعة نصف الليل أو أشدّ ما يكون إظلامًا‏.‏ وأن يصير جماعة من الجند وسط عسكر العدوّ وبقيتهم حوله، ويبدأ بالوقعة من يصير منهم في الوسط ليسمع بالضجّة والضوضاء من ذلك الموضع لا من حوله، وأن يشرّد قبل الوقعة الأفره فالأفره من دوابّهم ويقطّع أرسانهم وتهمز بالرماح في أعجازهم حتى تتحيرّ وتعير ويسمع لهم ضوضاء، وأن يهتف هم تف ويقول‏:‏ يا معشر أهل العسكر النّجاء النجاء فقد قتل قائدكم فلان وقتل خلق وهرب خلق‏.‏ ويقول قائل‏:‏ أيهم الرجل أستحيني اللّه‏.‏ ويقول آخر‏:‏ العفو العفو‏.‏ وآخر‏:‏ أوّه أوّه، ونحو هذا من الكلام‏.‏ وليعلم أنه إنما يحتاج في البيات إلى تحيير العدوّ وإخافته وليجتنبوا التقاط الأمتعة واستياق الدوابّ وأخذ الغنائم‏.‏

ما ينبغي في محاصرة الحصون

قال‏:‏ وينبغي في محاصرة الحصون أن يستمال من يقدر على استماللّه من أهل الحصن والمدينة ليظفر منهم بخصلتين‏:‏ إحداهما استنباط أسرارهم، والأخرى إخافتهم وإفزاعهم بهم، وأن يدسّ منهم من يصغر شأنهم ويؤيسهم من المدد ويخبرهم أن سرّهم منتشر في مكيدتهم،وأن يفاض حول الحصن ويشار إليه بالأيدي كأن فيه مواضع حصينة وأخر ذليلة وموضع ينصب المجانيق عليهم ومواضع تهيّأ العرّادات لهم ومواضع تنقب نقبًا ومواضع توضع السّلالأعليهم ومواضع يتسوّر منهم ومواضع يضرم النار فيهم ليلأهم ذلك رعبًا، ويكتب على نشّابة‏:‏ إياكم أهل الحصن والاغترا وإغفال الحراسة، عليكم بحفظ الأبواب فإن الزمان خبيث وأهله أهل غدر فقد خدع أكثر أهل الحصن واستميلوا، ويرمى بتلك النّشابة في الحصن ثم يدسّ لمخاطبتهم المنطيق المصيب الدّهيّ الموارب المخاتل فير المهذار ولا المغفّل‏.‏ وتؤخّر الحرب ما أمكن ذلك فإن في المحاربة جرأة منهم على من حاربهم ودليلًا على الحيلة والمكيدة، فإن كان لابد من المحاربة فليحاربوا بأخفّ العدّة وأيسر الآلة‏.‏ وينبغي أن يغلب العدوّ على الأرض ذات الخمر والشجر والأنهم ر للمعسكر ومصافّ الجنود ويخلّى بين العدوّ وبين بساط الأرض ودكادكهم‏.‏

من أشد الأمور تدريبًا للجنود

وفي بعض كتب العجم أن بعض الحكماء سئل عن أشدّ الأمور تدريبًا للجنود وشحذًا لهم، فقال‏:‏ استعادة القتال وكثرة الظّفر، وأن تكون لهم موادّ من ورائهم وغنيمة فيما أمامهم، ثم الإكرام للجيش بعد الظّفر والإبلاغ بالمجتهدين بعد المناصبة، والتشريف للشجاع على رؤوس الناس‏.‏

صفات القائد

قال المدائني‏:‏ ‏"‏قال نصر بن سيّار‏"‏‏:‏ كان عظماء الترك يقولون‏:‏ القائد العظيم ينبغي أن تكون فيه خصال من أخلاق الحيوان‏:‏ شجاعة الديك، وتحنّن الدجاجة، وقلب الأسد، وحملة الخنزير،‏"‏وروغان الثعلب، وختل الذئب‏.‏ وكان يقال في صفة الرجل الجامع‏:‏ له وثبة الأسد، وروغان الثعلب، وختل الذئب‏"‏وجمع الذّرّة، وبكور الغراب‏.‏

وكان يقال‏:‏ أصلح الرجال للحرب المجرّب الشجاع الناصح‏.‏

لعمرو بن معاوية في ضبطه الطوائف

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي الأصمّ قال‏:‏ قيل لعمرو بن معاوية العقيلي وكان صاحب صوائف‏:‏ بم ضبطت الصوائف‏؟‏ أي الثغور، قال‏:‏ بسمانة الظهر وكثرة الكعك والقديد‏.‏ وفي كتاب الآيين‏:‏ ليكن أوّل ما تحمله معك خبزًا ثم خبزًا ثم خبزًا‏.‏ وإياك والمفارش والثياب‏.‏

أبو اليقظان قال‏:‏ قال شبيب الحارجي‏:‏ الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع‏.‏ وكان إذا أمسى قال لأصحابه‏:‏ أتاكم المدد، يعني الليل‏.‏ وقيل لبعض الملوك‏:‏ بيّت عدوّك‏.‏ قال‏:‏ أكره أن أجعل غلبتي سرقة‏.‏

حكمة ملك الروم

للمدائني قال‏:‏ لما اشتغل عبد الملك بمحاربة مصعب بن الزبير اجتمع وجوه الروم إلى ملكهم فقالوا‏:‏ قد أمكنتكن الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض، فالرأي أن تغزوهم في بلادهم‏.‏ فنهم هم عن ذلك وخطّأ رأيهم، ودعا بكلبين فأرّش بينهما فاقتتلا قتالًا شديدًا، ثم دعا بثعلب فخلاّه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ما كانا فيه وأقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم ملك الروم‏:‏ هذا مثلنا ومثلهم‏.‏ فعرفوا صدقه وحسن رأيه ورجعوا عن رأيهم‏.‏

وصية حكيم لملك

وأوصى بعض الحكماء ملكًا فقال‏:‏ لا يكن العدوّ الذي قد كشف لك عن عدواته بأخوف عندك من الظّنين الذي يستتر لك بمخاتلته، فإنه ربما تخوّف الرجل السّمّ الذي هو أقتل الأشياء وقتله الماء الذي يحيي الأشياء، وربما تخوّف أن يقتله الملوك التي تملكه ثم قتلته العبيد التي يملكهم‏.‏ فلا تكن للعدوّ الذي تناصب بأحذر منك للطعام الذي تأكل‏.‏ وأنا لكل أمر أخذت منه نذيرك وإن عظم آمن منّي من كل أمر عرّيته من نذيرك وإن صغر‏.‏ واعلم أن مدينتكن حرز من عدوّك، ولا مدينة تحرّز فيهم من طعامك وشرابك ولباسك وطيبك، وليست من هذه الأربع واحدة إلا وقد تقتل بهم الملوك‏.‏

حنكة خالد بن برمك وفراسته

وذكر عبد الملك بن صالح الهم شمي أن خالد بن برمك، حين فصل مع قحطبة من خراسان، بينما هو على سطح بيت في قرية قد نزلاهم وهم يتغدّون نظر إلى الصحراء فرأى أقاطيع ظباء قد أقبلت من جهة الصحارى حتى كادت تخالط العسكر، فقال لقحطبة‏:‏ أيهم الأمير ناد في الناس‏:‏ يا خيل اللّه اركبي، فإن العدوّ قد نهد إليك وحثّ، وغاية أصحابك أن يسرجوا ويلجموا قبل أن يروا سرعان الخيل‏.‏ فقام قحطبة مذعورًا فلم ير شيئًا يروعه ولم يعاين غبارا، فقال لخالد‏:‏ ما هذا الرأي‏؟‏ فقال خالد‏:‏ أيهم الأمير لا تتشاغل بي وناد في الناس‏.‏ أما ترى أقاطيع الوحش قد أقبلت وفارقت مواضعهم حتى خالطت الناس‏!‏ إن وراءهم لجمعا كثيفًا‏.‏ قال‏:‏ فواللّه ما أسرجوا ولا ألجموا حتى رأوا ساطع الغبار فسلموا، ولولا ذلك لكان الجيش قد اصطلم‏.‏

نصيحة حكيم لبعض الملوك

وقال بعض الحكماء لبعض الملوك‏:‏ آمركم بالتقدّم والأمر ممكن، وبالإعداد لغد من قبل دخولك في غد كما تعدّ السلاح لمن تخاف أن يقاتلك وعسى ألا يقاتلك، وكما تأخذ عتاد البناء من قبل أن تصيبه السماء وأنت لاتدري لعلهم لا تصيبه، بل كما تعدّ الطعام لعدد الأيام وأنت لا تدري لعلك لا تا‏:‏ له‏.‏ وكان يقال‏:‏ كل شيء طلبته في وقته فقد مضى وقته‏.‏

بين ملك الهياطلة وفيروز بن يزدجرد ملك فارس

وقرأت في كتاب سير العجم أن فيروز بن يزدجرد بن بهرام لمّا ملك سار بجنوده نحو خراسان لغزو أخشنوار ملك الهياطلة ببلخ، فلما انتهى إلى بلاده اشتدّ رعب أخشنوار منه وحذره له، فناظر أصحابه ووزراءه في أمره، فقال له رجل منهم‏:‏ أعطني موثقًا وعهدًا تطمئن إليه نفسي أن تكنفيني أهلي وولدي وتحسن إليهم وتخلفني فيهم، ثم اقطع يديّ ورجليّ وألقني على طريق فيروز حتى يمرّ بي هو وأصحابه فأكفيك مؤونتهم وشوكتهم وأورّطهم مورّطًا تكون فيه هلكتهم‏.‏ فقال له أخشنوار‏:‏ وما الذي تنتفع به من سلامتنا وصلاح حالنا إذا أنت قد هلكت ولم تشركنا في ذلك‏؟‏ قال‏:‏ إني قد بلغت ما كنت أحب أن أبلغه من الدنيا وأنا موقن بأن الموت لا بد منه وإن تأخر أيامًا قلائلا، فأحب أن أختم عمري بأفضل ما تختم به الأعمار من النصيحة لأخواني والنكاية في عدوّي فيشرف بذلك عقبي وأصيب سعادة وحظوة فيما أمامي‏.‏ ففعل به ذلك وأمر به فألقي حيث وصف له‏.‏ فلما مرّ به فيروز سأله عن أمره فأخبره أن أخسنوار فعل ذلك به وأنه احتال حتى حمل إلى ذلك الموضع ليدلّه على عورته وغرّته وقال‏:‏ إني أدلك على طريق هو أقرب من هذا الذي تريدون سلوكه وأخفى، فلا يشعر أخشنوار حتى تهجموا عليه فينتقم اللّه لي منه بكم، وليس في هذا الطريق من المكروه ألا تفويز يومين ثم تفضون إلى كل ما تحبون‏.‏ فقبل فيروز قوله بعد أن أشار عليه وزراؤه بالاتهم م له والحذر منه وبغير ذلك، فخالفهم وسلك الطريق حتى انتهى بهم إلى موضع من الفازة لا صدر عنه، ثم بيّن لهم أمره فتفرقوا في المفازة يمينًا وشمالًا يلتمسون الماء فقتل العطش أكثرهم ولم يخلص مع فيروز منهم إلا عدّة يسيرة فإنهم انطلقوا معه حتى أشرفوا على أعدائهم وهم مستعدّون لهم فواقعهم على تلك الحالة وعلى ما بهم من الضر والجهد فاستمكنوا منهم وأعظموا النكاية فيهم، ثم رغب فيروز إلى أخشنوار وسأله أن يمنّ عليه وعلى من بقي من أصحابه على أن يجعل لهم عهد اللّه وميثاقه ألا يغزوه أبدًا فيما يستقبل من عمره وعلى أنه يحدّ فيما بينه وبين مملكته حدًّا لا تجاوزه جنوده، فرضي أخشنوار بذلك وخلّى سبيله وانصرف إلى مملكته، فمكث فيروز برهة من دهره كئيبًا ثم حمله الأنف على أن يعود لغزوه ودعا أصحابه إلى ذلك فردّوه عنه وقالوا‏:‏ إنك قد عاهدته ونحن نتخوّف عليك عاقبة البغي والغدر مع ما في ذلك من العار وسوء المقالة‏.‏ فقال لهم‏:‏ إني إنما شرطت له ألاّ أجوز الحجر الذي جعلته بيني وبينه فأنا آمر بالحجر ليحمل على عجلة أمامنا‏.‏ فقالوا له‏:‏ أيهم الملك، إنّ العهود والمواثيق التي يتعاطاهم الناس بينهم لا تحمل على ما يسرّ المعطي لهم ولكن على ما يعلن المعطي، وإنك إنما جعلت له عهد اللّه وميثاقه على الأمر الذي عرفه لا على أمر لم يخطر بباله‏.‏ فأبى فيروز ومضى في غزاته حتى انتهى إلى الهياطلة وتصافّ الفريقان للقتال فأرسل أخشنوار إلى فيروز يسأله أن يبرز فيما بين صفّيهم ليكلمه، فخرج إليه فقال له أخشنوار‏:‏ قد ظننت أنه لم يدعك إلى غزونا إلا الأنف مما أصابك‏.‏ ولعمري لئن كنّا احتلنا لك بما رأيت، لقد كنت التمست منّا أعظم منه، وما ابتدأناك ببغي ولا ظلم ولا أردنا إلا دفعك عن أنفسنا وعن حريمنا، ولقد كنت جديرًا أن تكون، من سوء مكافأتنا بمنّنا عليك وعلى من معك من نقض العهد والميثاق الذي وكّدت على نفسك، أعظم أنفًا وأشدّ امتعاضًا مما نالك منّا، فإنّا أطلقناكم وأنتم أسرى ومننّا عليكم وأنتم مشرفون على الهلكة وحقنّا دماءكم و بنا قدرة على سفكهم، وإنا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت أنت الراغب إلينا فيه والمريد لنا عليه ففكّر في ذلك وميّل بين هذين الأمرين فانظر أيّهما أشدّ عارًا وأقبح سماعًا، إن طلب رجل أمرًا فلم يتح له وسلك سبيلًا فلم يظفر فيهم ببغيته واستمكن منه عدوّه على حال جهد وضيعة منه وممن معه، فمّن عليهم وأطلقهم على شرط شرطوه وأمر اصطلحوا عليه فاضطّر لمكروه القضاء واستحيا من النّكث والغدر أن يقال امرؤ نكث العهدوختر الميثاق‏.‏ مع أني قد ظننت أنه يزيدك نجاحًا ما تثق به من كثرة جنودك وما ترى من حسن عدّتهم وطاعتهم لك، وما أجدني أشكّ أنهم أو أكثرهم كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنك قد حملتهم على غير الحق ودعوتهم إلى مايسخط اللّه، فهم في حربنا غير مستبصرين ونيّاتهم في مناصحتكن اليوم

مدخولة، فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفًا بأنه إن ظفر فمع عار وإن قتل فإلى النار، فأنا أذكّرك اللّه الذي جعلته على نفسك كفيلًا ونعمتي عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظّك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومه ذلك إنك لست على ثقة من الظّفر بنا والبلوغ لنهمتكن فبنا وإنما تلتمس منا أمرًا نلتمس منك مثله وتناوىء عدوًّا لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدّمت في الإعذار إليك ونحن نستظهر باللّه الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتكن عدّة أصحابك، فدونك هذه النصيحة فواللّه‏.‏ ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منهم ولا زائد لك عليهم، ولا يحرمنّك منفعتهم مخرجهم مني فإنّه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء‏.‏ واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ولا قلةٌ من جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجّة واستظهم رًا، وأزداد به من اللّه للنصر والمعونة استيجابًا ولا أوثر على العافية والسلامة شيئًا ما وجدت إليهما سبيلًا‏.‏ فأبى فيروز إلا تعلّقًا بحجّته في الحجر الذي جعله حدّاُ بينه وبينه وقال‏:‏ لست ممن يردعه عن الأمر يهمّ به وعيدٌ ولا يقتاده اللّهدّد والترهيب،‏"‏ولو كنت أرى ما أطلبك غدرًا مني ما كان أحد أنظر ولا أشدّ اتقاءً مّني على نفسي فلا يغرّنك منا الحال التي صادفتنا عليهم في المرّة الأولى من القلّة والجهد والضعف‏"‏‏.‏ فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفًا بأنه إن ظفر فمع عار وإن قتل فإلى النار، فأنا أذكّرك اللّه الذي جعلته على نفسك كفيلًا ونعمتي عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظّك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومه ذلك إنك لست على ثقة من الظّفر بنا والبلوغ لنهمتكن فبنا وإنما تلتمس منا أمرًا نلتمس منك مثله وتناوىء عدوًّا لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدّمت في الإعذار إليك ونحن نستظهر باللّه الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتكن عدّة أصحابك، فدونك هذه النصيحة فواللّه‏.‏ ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منهم ولا زائد لك عليهم، ولا يحرمنّك منفعتهم مخرجهم مني فإنّه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء‏.‏ واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ولا قلةٌ من جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجّة واستظهم رًا، وأزداد به من اللّه للنصر والمعونة استيجابًا ولا أوثر على العافية والسلامة شيئًا ما وجدت إليهما سبيلًا‏.‏ فأبى فيروز إلا تعلّقًا بحجّته في الحجر الذي جعله حدّاُ بينه وبينه وقال‏:‏ لست ممن يردعه عن الأمر يهمّ به وعيدٌ ولا يقتاده اللّهدّد والترهيب،‏"‏ولو كنت أرى ما أطلبك غدرًا مني ما كان أحد أنظر ولا أشدّ اتقاءً مّني على نفسي فلا يغرّنك منا الحال التي صادفتنا عليهم في المرّة الأولى من القلّة والجهد والضعف‏"‏‏.‏

قال أخشنوار‏:‏ لا يغرّنك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك، فإنّ الناس لو كانوا يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمرٍ وإعلان آخر، إذًا ما كان ينبغي لأحد أن يغترّ بأمانٍ ولا يثق بعهدٍ، وإذًا لما قبل الناس شيئًا مما يعطونه من ذلك، ولكنّه وضع على العلانية وعلى نية من تعقد العهود والشروط له‏.‏ فانصرفا يومهما ذلك فقال فيروز لأصحابه‏:‏ لقد كان أخشنوار حسن المحاورة، وما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيرًا في الدواب فإنه لم يزل قوائمه ولم يرفع حوافره عن موضعهم ولا صهل ولا أحدّث شيئًا يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا‏.‏ وقال أخشنوار لأصحابه‏:‏ لقد واقفت فيروز كما علمتم وعليه السلاح كلّه فلم يحرّك رأسه ولم ينزع رجله من ركابه ولا حنا ظهره ولا التفت يمينًا ولا شمالًا، ولقد تورّكت أنا مرارًا وتمطيت على فرسي وتلفّتّ إلى من خلفي ومددت بصري في أمامي وهو منتصبٌ ساكن على حاله، ولولا محاورته إياي لظننت أنه لا يبصرني‏.‏ وإنما أرادا بما وصفا من ذلك أن ينتشر هذان الحديثان في أهل عسكريهما فيشغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما تذاكراه‏.‏ فلما كان في اليوم الثاني أخرج أخشنوار الصحيفة التي كتبهم لهم فيروز، فرفعهم على رمح لينظر إليهم أهل عسكر فبروز فيعرفوا غدره وبغيه ويخرجوا من متابعته، فانتقض عسكر فيروز واختلفوا وما لبثوا إلا يسيرًا حتى انهزموا وقتل منهم خلقٌ كثير وهلك فيروز، فقال أخشنوار‏:‏ لقد صدق الذي قال‏:‏ لا رادّ لما قدّر، ولا أشدّ إحالةً لمنافع الرأي من الهوى واللّجاج، ولا أضيع من نصيحة يمنحهم من لا يوطّن نفسه على قبولهم والصبر على مكروههم، ولا أسرع عقوبة ولا أسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا أجلب لعظيم العار والفضوح من إفراط الفخر والأنفة‏.‏

بين شبيب الخارجي والحجاج

وقال أبو اليقظان‏:‏ لما خرج شبيب بن يزيد نعيم الخارجيّ بالموصل بعث إليه الحجّاج قائدًا فقتله كذلك حتى أتى على خمسة قوّاد قتلهم وهزم جيوشهم وكان أحد القوّاد موسى بن طلحة بن عبيد اللّه، ثم خرج شبيب من الموصل يريد الكوفة وخرج الحجّاج من البصرة يريد الكوفة فطمع شبيب أن يلقى الحجاج قبل أن يصل إلى الكوفة فأقحم الحجاج خيله فدخل الكوفة قبله، ومرّ شبيب بعتّاب بن ورقاء فقتله ومرّ بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهرب منه، وقدم شبيبٌ الكوفة آلى ألاّ يبرح عنهم أو يلقى الحجاج فيقتله أو يقتل دونه، فخرج الحجاج إليه في خيله، فلما قرب منه عمد إلى سلاحه فألبسه أبا الورد مولاه وحمله على الدّابة التي كان عليهم، فلما تواقفا قال شبيب‏:‏ أروني الحجاج، فأومأوا له إلى أبي الورد فحمل عليه فقتله، ثم خرج من الكوفة يريد الأهواز فغرق في دجيل وهو يقول‏:‏ ‏"‏ذلك تقدير العزيز العليّم‏"‏‏.‏

الأوقات التي تختار للسفر والحرب

للزهريّ عن الرسول

قال‏:‏ حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا يزيد بن هم رون عن محمد بن إسحاق عن عبد اللّه بن أبي بكر عن الزهريّ قال‏:‏ كان أحبّ الأيام إلى رسول اللّه أن يعقد فيه رايته يوم الخميس، وكان أحبّ إلى رسول اللّه أن يسافر فيه يوم الخميس‏.‏

وقالت العجم‏:‏ أخّر الحرب ما استطعت فإن لم تجد بدًّا فاجعل ذلك آخر النهم ر‏.‏

وحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن عون عن محمد بن سيرين أنّ النعمان بن مقرّن قال لأصحابه‏:‏ إني لقيت مع رسول اللّه فكان من أحبّ ما يلقى فيه إذا لم يلق في أوّل النهم ر إذا زالت الشمس و حلّت الصلاة وهبّت الرياح ودعا المسلمون‏.‏

ويروي قوم عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه كان يكره الحجامة والابتداء بعمل في محاق القمر وفي حلوله في برج العقرب‏.‏‏"‏وقال بعضهم‏:‏ كنت مع عمر بن عبد العزيز فوق سطح وهو يريد الركوب، فنظرت فإذا القمر بالدّبران فقلت‏:‏ انظر إلى القمر ما أحسن استواءه‏!‏ فرفع رأسه ثم نظر فرأى منزلته فضحك، وقال‏:‏ إنما أردت أن ننظر إلى منزلته، وإنّا لا نقيم لشمس ولا لقمر ولكنا نسير باللّه الواحد القهار‏"‏‏.‏

ما كان يقال عن أيام الأسبوع

وكان يقال‏:‏ يوم السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الأثنين يوم سفر وابتغاء رزق، ويوم الثلاثاء يوم حربٍ ودمٍ، ويوم الأربعاء يوم الأخذ و الإعطاء، ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطب ونكاح‏.‏

الدعاء عند اللقاء

حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا معاوية عن أبي إسحاق عن أبي رجاء قال‏:‏ كان النبيّ يقول إذا اشتدّت حلقة البلاء وكانت الضّيقة‏:‏ ‏"‏تضيّقي تفرّجي‏"‏ثم يرفع يديه فيقول‏:‏ بسم اللّه الرحمن الرحيم لا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم اللهم إياك نعبد وإياك نستعين اللهم كفّ عنا بأس الذين كفروا إنك أشدّ بأسًا وأشدّ تنكيلًا‏"‏فما يخفض يديه المباركتين حتى ينزل اللّه النصر‏.‏

وحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن موسى بن عقبة عن سالأأبي النضر مولى عمر بن عبيد اللّه وكان كاتبًا له، قال‏:‏ كتب عبد اللّه بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية أنّ النبي في بعض أيامه التي لقي فيهم العدوّ انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال‏:‏ ‏"‏لا تتمنّوا لقاء العدوّ واسألوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا واصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف‏"‏ثم قال‏:‏ اللهمّ منزل الكتاب ومجري السحاب وهم زم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهموقال أبو النضر‏:‏ وبلغنا أ،ه دعا في مثل ذلك فقال‏:‏ ‏"‏اللهمّ أنت ربّنا وربّهم وهم عبيد ك ونحن عبيد ك ونواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم‏"‏‏.‏

بين قتيبة بن مسلم ومحمد بن واسع

حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ لما صافّ قتيبة بن مسلم التّرك وهم له أمرهم سأل عن محمد ابن واسع ما يصنع‏؟‏ قالوا‏:‏ هو في أقصى الميمنة جانح على سية قوسه ينضنض بأصبعه نحو السماء‏.‏ فقال قتيبة‏:‏ تلك الإصبع الفاردة أحبّ إليّ من مائة ألف سيف شهير وسنان طرير‏.‏ فلما فتح اللّه عليهم قال لمحمد‏:‏ ما كنت تصنع‏؟‏ قال‏:‏ كنت آخذ لك بمجامع الطرق‏.‏

الصبر وحضّ الناس يوم اللّقاء عليه

بين الفرزدق وعاصم بن الحدّثان

حدّثني سهل بن محمد قال‏:‏ حدّثنا الأصمعيّ قال‏:‏ كان عاصم بن الحدّثان رجلًا من العرب عالمًا قديماٌ وكان رأس الخوارج بالبصرة، وربما جاءه الرسول منهم من الجزيرة يسأله عن بعض الأمر يختصمون فيه، فمرّ به الفرزدق فقال لابنه‏:‏ أنشد أبا فراس فأنشده‏:‏

وهم إذا كسروا الجفون أكارمٌ *** صبر وحين تحلّـل الأزرار

يغشون حومات المنون وإنهم *** في اللّه عند نفوسهم لصغار

يمشون في الخطّي لا يثنيهـم *** والقوم إذ ركبوا الرماح تجار

فقال له الفرزدق‏:‏ ويحك‏!‏ اكتم هذا لا يسمعه النسّاجون فيخرجوا عليّنا بحفوفهم‏.‏ فقال عاصم‏:‏ يا فرزدق، هذا شاعر المؤمنين وأنت شاعر الكافرين‏.‏

في وصف بني يربوع

حدّثنا سهل قال‏:‏ حدّثنا الأصمعيّ قال‏:‏ قال سليط بن سعد‏:‏ قال بسطام بن قيس لقومه‏:‏ تردون على قوم آثارهم آثار نساء وأصواتهم أصوات صردان ولكنهم صبر على الشرّ‏.‏ يعني بني يربوع‏.‏ وفي هؤلاء يقول معاوية‏:‏ لو أنّ النجوم تناثرت لسقط قمرهم في حجور بني يربوع‏.‏ قال الأصمعيّ قلت لسليط‏:‏ أكان عتيبة بن الحارث ضخمًا‏؟‏ قال‏:‏ لاولا من قوم ضحام‏.‏

يعني بني يربوع‏.‏

بين عمر بن الخطاب وبني عبس

‏"‏وقال عمر بن الخطاب لبني عبس‏:‏ كم كنتم يوم الهباءة‏؟‏ فقال‏:‏ كنا مائةً كالذهب، لم نكثر فنتواكل ولم نقلّ فنذلّ‏.‏ قال‏:‏ فكيف كنتم تقهرون من ناوأكم ولستم بأكثر منهم عددًا ولا مالًا‏؟‏ قال‏:‏ كنا نبصر بعد اللقاء هنيهة‏.‏ قال‏:‏ فلذلك إذًا‏.‏

لعنترة بن شداد يصف بني عبس يوم الفروق

قيل لعنترة العبسيّ‏:‏ كم كنتم يوم الفروق‏؟‏ قال‏:‏ كنا مائة لم نكثر فنفشل ولم نقلّ فنذلّ‏"‏‏.‏

وكان يقال‏:‏ النصر مع الصبر‏.‏

شعر لنهشل بن حريّ بن ضمرة ولغيره في الصبر

ومن أحين ما قيل في الصبر، قول نهشل بن حرّيّ بن ضمرة‏:‏

ويومٍ كأن المصطلـين بـحـرّه *** وإن لم تكن نارٌ قيامً على الجمر

صبرنا له حتى يبـوخ وإنـمـا *** تفرّج أيام الكريهة بالصـبـر

ومثله قول الآخر‏:‏

بكى صاحبي لما رأى الموت فوقنا *** مطلًا كإطلال السحاب إذا اكفهر

فقلت له لاتبـك عـينـك إنـمـا *** يكون غدًا حسن الثناء لمن صبـر

فما أخرّ الإحجام يومًا مـعـجّـلا *** ولا عجّل الإقدام ما أخّر القـدر

فآسى على حالٍ يقلّ بهم الأسـى *** وقاتل حتى استبهم الورد والصّدر

وكرّ حفاظًا خشية الـعـار بـعـد مـا *** رأى الموت معروضًا على منهج المكرّ

قول أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد

وقال أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه لخالد بن الوليد حين وجّهه‏:‏ احرص على الموت توهب لك الحياة‏.‏

قول العرب في الشجاعة

وتقول العرب‏:‏ الشجاع موقًّى‏.‏

وقالت الخنساء‏:‏

نهين النفوس وهون النفو *** س يوم الكريهة أوقى لهم

وقال يزيد بن المهلب‏:‏

تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد *** لنفسي حياةً مثل أن أتقدّمـا

وقال قطريّ بن الفجاءة‏:‏

وقولي كلّما جشأت وجـاشـت *** من الأبطال ويحك لا تراعـي

فإنّك لـو سـألـت حـياة يوم *** سوى الأجل الذي لك لم تطاعي

لمعاوية بن أبي سفيان متمثلًا

‏"‏وقال معاوية بن أبي سفيان‏:‏ شجّعني على عليّ بن أبي طالب قول عمرو بن الإطنابة‏:‏

أبت لي عفتـي وأبـى بـلائي *** وأخذي الحمد بالثمن الـرّبـيح

وإقدامي على المكروه نفسـي *** وضربي هم مة البطل المشيح

وقولي كلّما جشأت نـفـسـي *** مكانك تحمدي أو تستـريحـي

لأدفع عن مآثر صـالـحـاتٍ *** وأحمي بعد عن عرض صحيح

أبت لي أن أقضّي في فعالـي *** وأن أغضي على أمر قـبـيح

وقال ربيعة بن مقروم‏:‏

ودعوا نزال فكنت أوّل نازل *** وعلام أركبه إذا لم أنـزل‏"‏

لخالد بن الوليد

وكان خالد بن الوليد يسير في الصفوف يذمّر الناس ويقول‏:‏ يا أهل الإسلام، إنّ الصبر عزّ وإنّ الفشل عجز وإنّ النصر مع الصبر‏.‏

وقال بعض أبطال العرب‏:‏

إن الشّواء والنّشيل والرّغـف *** والقينة الحسناء والكأس الأنف

للضاربين الخيل والخيل قطف

ولأعرابي في الشجاعة

وقال أعرابي‏:‏ اللّه يخلف ما أتلف الناس، والدهر يتلف ما جمعوا، وكم من ميتة علّتهم طلب الحياة، وحياة سببهم التعرّض للموت‏.‏

ومثله قول أبي بكر الصديق لخالد‏:‏ احرص على الومت توهب لك الحياة‏.‏

بين هرقل ورجاله

‏"‏قدمت منهزمة الروم على هرقل وهو بأنطاكية، فدعا رجالًا من عظمائهم فقال‏:‏ ويحكم‏!‏ أخبروني ما هؤلاء الذين تقاتلوهم‏؟‏ أليسوا بشرًا مثلكم‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى‏.‏ يعني العرب‏.‏ قال‏:‏ فأنتم أكثر أم هم‏؟‏ قالوا‏:‏ بل نحن أكثر منهم أضعافًا في كلّ موطن‏.‏ قال‏:‏ ويلكم‏!‏ فما بالكم تنهزمون كلّما لقيتموهم‏؟‏ فسكتوا، فقال شيخ منهم‏:‏ أنا أخبرك أيهم الملك من أين تؤتون‏.‏ قال‏:‏ أخبرني‏.‏ قال‏:‏ إذا حملنا عليهم صبروا وإذا حملوا عليّنا صدقوا، ونحمل عليهم فنكذب ويحملون عليّنا فلا نصبر‏.‏ قال‏:‏ ويلكم فما بالكم كما تصفون وهم كما تزعمون‏؟‏ قال الشيخ‏:‏ ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا‏؟‏ قال له‏:‏ من أين هو‏؟‏ قال‏:‏ لأنّ القوم يصومون بالنهم ر ويقومون بالليل ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يظلمون أحدًا ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنّا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض الهد ونغضب ونظلم ونأمر بما يسخط اللّه وننهى عما يرضي اللّه ونفسد في الأرض‏.‏ قال‏:‏ صدقتني، واللّه لأخرجنّ من هذه القرية فما لي في صحبتكنم خير وأنتم هكذا‏.‏ قالوا‏:‏ نشهدك اللّه أيهم الملك‏.‏ تدع سورية وهي جنة الدنيا وحولك من الروم عدد الحصى والتراب ونجوم السماء ولم يؤت عليهم‏"‏‏.‏

ذكر الحرب

شعر للكميت في ذكر الموت

قالت العرب‏:‏ الحرب غشوم، لأنهم تنال غير الجاني‏.‏

وقال الكميت‏:‏

الناس في الحرب شتّى وهي مقبلةٌ *** ويستوون إذا ما أدبـر الـقـبـل

كلٌّ بأمسـيّهـم طـبٌّ مـولّـيةً *** والعالمون بذي غدويّهـم قـلـل

بين عمر بن الخطاب وعمرو بن معد يكرب

وقال عمر بن الخطاب رحمه اللّه لعمرو بن معد يكرب‏:‏ أخبرني عن الحرب‏.‏ قال‏:‏ مرّة المذاق إذا قلصت عن ساق، من صبر فيهم عرف ومن ضعف عنهم تلف‏.‏ وهي كما قال الشاعر‏:‏

الحرب أوّل ما تكـون فـتـيةٌ *** تسعى بزينتهم لكـلّ جـهـول

حتى إذا استعرت وشبّ ضرامهم *** عادت عجوزًا غير ذات خلـيل

شمطاء جزّت رأسهم وتنكّـرت *** مكروهةً للّثـم والـتـقـبـيل

شعر لنصر بن سيار

كان يزيد بن عمر بن هبيرة يحب أن يضع من نصر بن سيار فكان لا يمدّه بالرجال ويرفع ما يرد عليه من أخبار خراسان، فلما كثر ذلك على نصر قال‏:‏

أرى خلل الرماد وميض جمرٍ *** ويوشك أن يكون له ضـرام

فإنّ النار بالعـودين تـذكـى *** وإنّ الحرب أوّلهم الـكـلام

فإن لم يطفهم عقـلاء قـوم *** يكون وقودهم جثثٌ وهـم م

فقلت من التعجب ليت شعري *** أأيقـاظٌ أمـيّة أم نـــيام

ونحو قوله‏:‏ ‏"‏الحرب أوّلهم الكلام‏"‏قول حذيفة‏:‏ إن الفتنة تلقح بالنجوى وتنتج بالشكوى‏.‏

قول عليّ بن أبي طالب لابنه الحسن

العتبيّ عن أبيه قال‏:‏ قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه لابنه الحسن‏:‏ يا بني لا تدعونّ أحدًا إلى البراز، ولا يدعونّك أحد إليه إلا أجبته فإنه بغى‏.‏

في العدّة والسلاح

حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد - فيما حفظت إن شاء اللّه - أن النبي كان عليه درعان يوم أحد‏.‏

قيل لعبّاد بن الحصين وكان أشدّ رجال أهل البصرة‏:‏ في أيّ عدّة تحبّ أن تلقى عدوك‏؟‏ قال‏:‏ في أجلٍ مستأخر‏.‏

حدّثني زياد بن يحيى قال‏:‏ حدّثنا بشر بن المفضّل قال‏:‏ حدّثنا داود بن أبي هند عن عكرمة قال‏:‏ لما كانت ليلة الأحزاب قالت الجنوب للشّمال‏:‏ انطلقي بنا نمدّ رسول اللّه‏.‏

فقالت الشمال‏:‏ إنّ الحرّة لا تسري بالليل‏.‏ فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصّبا‏.‏

حدّثني سهل بن محمد قال‏:‏ حدّثنا الأصمعيّ قال‏:‏ حدّثنا ابن أبي الزّناد قال‏:‏ ضرب الزبير بن العوّام يوم الخندق عثمان بن عبد اللّه بن المغيرة فقطّه إلى القربوس فقالوا‏:‏ ما أجود سيفك‏!‏ فغضب، يريد أنّ العمل ليده لا لسيفه‏.‏

للبحتري يصف السيف

وقال الوليد بن عبيد البحتريّ يصف سيفًا‏:‏

ماضٍ وإن لم تمضه يد فارس *** بطلٍ ومصقولٌ وإن لم يصقل

متوقٍّد يفري بـأوّل ضـربة *** ما أدركت ولو أنهم في يذبل

وقال آخر‏:‏

وما السـيف إلا بـزّ غـادٍ لـزينة *** إذا لم يكن أمضى من السيف حامله

للجرّاح بن عبد اللّه في المظاهرة بين درعين

رؤي الجرّاح بن عبد اللّه في بعض الحروب وقد ظاهر بين درعين، فقيل له في ذلك‏.‏ فقال‏:‏ إني لست أقي بدني وإنما أقي صبري‏.‏

ليزيد بن حاتم في أدرع اشتراهم

واشترى يزيد بن حاتم أدرعا وقال‏:‏ إني لم اشتر أدراعا إنما اشتريت أعمارا‏.‏

لحبيب بن المهلّب وفضيلة السلاح

وقال حبيب بن المهلّب‏:‏ ما رأيت رجلًا في الحرب مستلئما إلا كان عندي رجلين، ولا رأيت حاسرين إلا كانا عندي واحدًا‏.‏ فسمع هذا الحديث بعض أهل المعرفة فقال‏:‏ صدق، إنّ للسلاح فضيلة‏.‏ أما تراهم ينادون عند الصّريخ‏:‏ السلاح السلاح ولا ينادون‏:‏ الرجال الرجال‏.‏

وللمهلب يوصي بنيه

‏"‏قال المهلب لبنيه‏:‏ يا بنيّ لا يقعدنّ أحد منكم في السوق، فإن كنتم لا بدّ فاعليّن فإلى زراد أو سرّاج أو ورّاق‏"‏‏.‏

بين عمر بن الخطاب وابن معد يكرب في وصف السلاح

وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لعمرو بن معد يكرب‏:‏ أخبرني عن السلاح‏.‏ قال‏:‏ سل عما شئت منه‏.‏ قال‏:‏ الرمح‏؟‏ قال‏:‏ أخوك وربما خانك‏.‏ قال‏:‏ النّبل‏؟‏ قال‏:‏ منايا تخطىء وتصيب‏.‏ قال‏:‏ التّرس‏؟‏ قال‏:‏ ذاك المجنّ وعليه تدور الدّوائر‏.‏ قال‏:‏ الدرّع‏؟‏ قال‏:‏ مثقلة للراجل متعبة للفارس، وإنّهم لحصن حصين‏.‏ قال‏:‏ السيف‏؟‏ قال‏:‏ ثمّ، قارعتكن أمّك عن الثّكل‏.‏ قال عمر‏:‏ بل أمّك‏.‏ قال‏"‏الحمّى أضرعتني لك‏"‏‏.‏

للطائي ودعبل وصف الرماح

وقال الطائي يصف الرّماح‏:‏

مثقّفات سلبن الروم زرقـتـهـم *** والعرب سمرتهم والعاشق القضفا

وقال دعبل يصف الرّمح‏:‏

وأسمرٍ في رأسه أزرقٌ *** مثل لسان الحيّة الصادي

ولآخر في السيف

وقال الشاعر‏:‏

تلمّظ السيف من شوق إلى أنسٍ *** فالموت يلحظ والأقدار تنتظـر

أظلّه منك حتف قد تجـلّـلـه *** حتى يؤامر فيه رأيك الـقـدر

أمضى من السيف إلا عند قدرته *** وليس للسيف عفو حين يقتـدر

وقال آخر‏:‏

متى تلقني يعدو ببزّي مقلّصٌ *** كميتٌ بهيمٌ أو أغرّ محجّـل

تلاقي امرأ إن تلقه فبسيفه *** تعلّمك الأيام ما كنت تجهل

لعليّ بن أبي طالب في السيف

وقال عليّ رضي اللّه عنه‏:‏ السيف أنمى عددًا وأكثر ولدا‏.‏

وفي الحديث‏:‏ ‏"‏بقيّة السيف مباركة‏"‏يعني أنّ من نجا من ضربة السيف ينمو عدده ويكثر ولده‏.‏

‏؟‏‏؟‏وللمهلب

وقال المهلّب‏:‏ ليس شيء أنمى من سيف‏.‏

ويقال‏:‏ لا مجد أسرع من مجد سيف‏.‏

‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏درع عليّ رضي اللّه عنه

وكانت درع عليّ رضي اللّه عنه صدرًا لا ظهر لهم فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إذا استمكن عدوّي من ظهري لا يبق‏.‏

‏؟‏لأبي الشيص في رثاء بعض الشجعان

وقال أبو الشّيص‏:‏‏؟‏ختلته المنون بعد اختيال=بين صفّين من قنًا ونصال

في رداء من الصفيح صقيل *** وقميص من الحديد مـذال

‏؟‏وصية أبي الأغرّ لابنه فيما يقاتل به من أنواع السلاح بلغ أبا الأغرّ أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شرّ فبعث ابنه الأغرّ وقال‏:‏ يا بني كن يدًا لأصحابك على من قاتلهم، وإيّاك والسيف فإنه ظلّ الموت، وآتق الرمح فإنه رشاء المنيّة، ولا تقرب السّهم م فإنهم رسل لا تؤامر مرسلهم‏.‏ قال‏:‏ فبماذا أقاتل‏؟‏ قال‏:‏ بما قال الشاعر‏:‏

جلاميد يملأن الأكفّ كـأنّـهـم *** رؤوس رجال حلّقت في المواسم

‏؟‏ّشعر للخزيمي وقال الخزيمي في بغداد أيام الفتنة‏:‏

يا بؤس بغداد دار مـمـلـكة *** دارت على أهلهم دوائرهـم

أمهلهم اللّه ثـم عـاقـبـهـم *** لما أحاطت بهم كـبـائرهـم

رقّ بهم الدّين واستخفّ بذي ال *** فضل وعزّ الرجال فاجرهـم

وصار ربّ الجيران فاسقهـم *** وآبتزّ أمن الدروب شاطرهـم

يحرق هـذا وذا يهـدّمـهـم *** ويشتفي بالنّهم ب داعـرهـم

والكرخ أسواقهم مـعـطّـلة *** يستنّ شذّابـهـم وعـائرهـم

‏؟‏أخرجت الحرب من أساقطهم=آساد غيلٍ غلبا تساورهم

من البواري تراسهم ومـن ال *** خوص إذا استلأمت مغافرهم

لا الرزق تبغي ولا العطاء ولا *** يحشرهم بالعناء حاشـرهـم

‏؟‏شعر لعليّ بن أمية في حرب

ونحوه قول عليّ بن أمية‏:‏

دهتنـا أمـور تـشـيب الـولـيد *** ويخذل فيهم الصّديق الـصـدّيق

فنـاء مـبـيد وذعـر عـتــيد *** وجوع شـديد وخـوف وضـيق

وداعي الصّباح بطول الصياح السّ *** لاح السلاح فمـا نـسـتـفـيق

فباللّه نـبـلـغ مـا نـرتـجـي *** وباللّه نـدفـع مـا لا نـطـيق

‏؟‏لرجل من أهل البادية يحث قومه على القتال

جنى قوم من أهل اليمامة جناية فأرسل إليهم السلطان جندًا من بخاريّة ابن زياد، فقال رجل من أهل البادية يذمّر قومه‏:‏ يا معشر العرب ويا بني المحصنات، قاتلوا عن أحسابكم ونسائكم، واللّه لئن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون بهم لبنة حمراء ولا نخلة خضراء إلا وضعوهم بالأرض ولاعتراكم من نشّاب معهم في جعاب كأنهم أيور الفيلة ينزعون في قسيٍّ كأنهم العتل فتئطّ أحداهنّ أطيط الزّرنوق يمغط أحدهم فيهم حتى يتفرق شعر إبطيه ثم يرسل نشّابة كأنهم رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن تنفضح عينه أو ينصدع قلبه منزلة‏.‏ فخلع قلوب القوم فطاروا رعبًا‏.‏

أداب الفروسة

من نصائح عمر رضي اللّه عنه في الرمي وغيره

حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان قال‏:‏ كتب عمر رضي اللّه عنه‏:‏ ائتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف وارموا الأغراض وألقوا الرّكب وآنزوا نزوا على الخيل وعليكم بالمعدّيّة، أو قال العربية، ودعوا التنعّم وزيّ العجم ولا تلبسوا الحرير فإن رسول اللّه نهى عنه إلا هكذا، ورفع أصبعيه‏.‏ وقال أيضًا‏:‏ لن تخور قوىً ما كان صاحبهم ينزع وينزو‏.‏ يعني ينزع في القوس وينزو على الخيل من غير استعانة بالرّكب‏.‏

وقال العمري‏:‏ كان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى أذنه‏"‏اليمنى وبيده اليسرى أذن فرسه اليسرى‏"‏ثم يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه‏.‏

نصيحة عليّ رضي اللّه عنه لأصحابه يوم صفين

وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يوم صفّين‏:‏ عضّوا على النّواجذ من الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهم م‏.‏

وأقاموا رجلًا بين العقابين فقال له أبوه‏:‏ طد رجلك وأصرّ إصرار الفرس واذكر أحاديث غد وإياك وذكر اللّه في هذا الموضع فإنه من الفشل‏.‏‏"‏وقال غيره‏:‏ طد رجليك إذا اعتصيت بالسيف والعصا وأنت محيّر في رفعه ساعة المسالمة والموادعة‏"‏‏.‏

في إجادة الرمي بالنشاب

وقرأت في الآيين أن من إجادة الرمي بالنّشّاب في حال التعلّم إمساك المتعلم القوس بيده اليسرى بقوّة عضده الأيسر والنّشّابة بيده اليمنى وقوّة عضده الأيمن وكفّه أصدريه وإلقاؤه ببصره إلى معلم الرمي وإجادته نصب القوس بعد أن يطأطىء من سيتهم بعض الطّأطأة وضبطه إيّاهم بثلاث أصابع وإحناؤه السبّابة على الوتر، وإمساكه بثلاثة وعشرين كأنهم ثلاثة وستون وضمه الثلاثة ضمًا وتحويله ذقنه إلى منكبه‏"‏الأيسر‏"‏وإشرافه رأسه وإرخاؤه عنقه وميله مع القوس وإقامته ظهره وإدارته عضده ومغطه القوس مترافعًا ونزعه الوتر إلى أذنه ورفعه بياض عينيه من غير تصريف لأسنانه وتحويلٍ لعينه وارتعاشٍ من جسده واستبانته موضع زججة النّشاب‏.‏

وفي إجادة الضرب بالصولجان

وقرأت في الآيين‏:‏ من إجادة الضرب بالصّولجان أن يضرب الكرة قدما ضرب خلسةٍ يدير فيه يده إلى أذنه ويميل صولجانه إلى أسفل من صدره ويكون ضربه متشازرًا مترفّقًا مترسّلًا ولا يغفل الضرب ويرسل السّنان خاصة وهو الحامية لمجاز الكرة إلى غاية الغرض ثم الجرّ للكرة من موقعهم، والتوخيّ للضرب لهم تحت محزم الدابة ومن قبل لبتهم في رفق، وشدّة المزاولة والمجاحشة على تلك الحال والترك للاستعانة في ضرب الكرة بسوط والتأثير في الأرض بصولجان والكسر له جهلًا باستعماله أو عقر قوائم الدابة، والاحتراس من إيذاء من جرى معه في ميدانه، وحسن الكف للدّابة في شدّة جريه، والتوقّي من الصّرعة والصّدمة على تلك الحال، والمجانبة للغضب والسّبّ، والاحتمال والملاهم ة، والتحفّظ من إلقاء كرة على ظهر بيت وإن كان ستّ كرين بدرهم، وترك طرد النّظّارة والجلوس على حيطان الميدان فإن عرض الميدان إنما جعل ستين ذراعًا لئلا يحال ولا يصارّ من جلس على حائطه‏.‏

قول أبو مسلم الخراساني لرجاله في الشجاعة

وقال أبو مسلم صاحب الدّعوة لرجاله‏:‏ أشعروا قلوبكم الجرأة عليهم فإنهم سبب الظّفر، واذكروا الضغائن فإنهم تبعث على الإدام، والزموا الطاعة فإنهم حصن المحارب‏.‏

المسير في الغزو والسفر

حدّثنا شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن معدان بن حدير الحضرمي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏"‏مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل يتقوّون به على عدوهم كمثل أمّ موسى ترضع ولدهم وتأخذ أجرهم‏"‏‏.‏

حدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيّب قال‏:‏ لما نزل النبي المعرّس أمر مناديًا فنادى‏:‏ لا تطرقوا النساء‏.‏ فتعجّل رجلان فكلاهما وجد مع امرأته رجلًا‏.‏

وكانت العرب تقول‏:‏ السفر ميزان القوم‏.‏ وتأمر بالمحلاّت وهي الدلو والفأس والسّفرة والقدر والقدّاحة، وإنما قيل لهم محلاّت لأن المسافر بهم يحلّ حيث شاء ولا يبالي ألاّ يكون بقربه أحد‏.‏

من وصايا لقمان لابنه في السفر

حدّثني عبد الرحمن بن الحسين عن عبد المنعم عن أبيه بن منبّه قال‏:‏ قال لقمان لابنه‏:‏ ‏"‏يا بنيّ إذا سافرت فلا تنم على دابتكن فإن كثرة النوم سريع في دبرهم، فإذا نزلت أرضا مكلئة فأعطهم حظّهم من الكلأ وابدأ بعلفهم وسقيهم قبل نفسك وإذا بعدت عليك المنازل‏"‏فعليك بالدّلج فإن الأرض تطوى بالليل‏.‏ وإذا أردت النزول‏"‏فلا تنزل على قارعة الطرق فإنهم مأوى الحيّات و السباع ولكن عليك من بقاع الأرض بأحسنهم لونًا وألينهم تربة وأكثرهم كلأ فانزلهم، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس وقل‏"‏ربّ أنزلني منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلينوإذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذهب في الأرض وعليك بالسّترة، وإذا ارتحلت من منزل فصلّ ركعتين وودّع الأرض التي ارتحلت عنهم وسام عليهم وعلى أهلهم فإن لكل بقعة من الأرض أهلا من اللائكة‏.‏ وإذا مررت ببقعة من الأرض أو واد أو جبل فأكثر من ذكر اللّه فإن الجبال والبقاع ينادي بعضهم بعضًا‏:‏ هل مرّ بكنّ اليوم ذاكرٌ اللّه‏؟‏ وإن استطعت ألا تطعم طعامًا حتى تتصدّق منه فافعل‏.‏ وعليك بذكر اللّه جلّ وعزّ ما دمت راكبًا، وبالتّسبيح ما دمت صائمًا، وبالدعاء ما دمت خاليًا‏.‏ وإيّاك والسّير في أوّل الليل وعليك بالتّعريس والّدلجة من نصف الليل إلى آخره‏.‏ وإياك ورفع الصوت في سيرك إلا بذكر اللّه، وسافر بسيفك وقوسك وجميع سلاحك وخفّك وعمامتكن وإبرتكن وخيوطك، وتزوّد معك الأدوية تنتفع بهم وتنفع من صحبك من المرضى والزمنى‏.‏ وكن لأصحابك موافقًا في كل شيء يقرّبك إلى اللّه ويباعدك من معصيته‏.‏ وأكثر التبسّم في وجوههم وكن كريمًا على زادك بينهم وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوك فأعنهم وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم وآجهد رأيك‏.‏ وإذا رأيتهم يمشون فامش معهم، أو يعملون فاعمل معهم‏.‏‏"‏وإن تصدّقوا أو أعطوا فأعطواسمع لمن هو أكبر منك‏.‏ وإن تحيرّتم في طريق فانزلوا، وإن شككتم في القصد فتثبّتوا وتآمروا، وإن رأيتم خيالًا واحدًا فلا تسألوه عن طريقكم فإن الشخص الواحد في الفلاة هو الذي حيرّكم واحذروا الشخصين أيضًا إلا إن تروا ما لا أرى فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وإن العاقل إذا أبصر شيئًا بعينيه عرف الحق بقلبه‏"‏‏.‏

نصيحة أعرابي لبنيه في السفر

علّم أعرابي بنيه إتيان الغائط في السفر فقال لهم‏:‏ اتّبعوا الخلاء وجانبوا الكلاء وآعلوا الضّراء وأفحجوا إفحاج النعامة وامسحوا بأشملكم‏.‏

بين عمرو بن العاص والحسن بن عليّ بن أبي طالب

‏"‏وقال عمرو بن العاص للحسن بن عليّ بن أبي طالب رحمهما اللّه‏:‏ يا أبا محمد، هل تنعت الخراءة‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، تبعد المشي في الأرض الضّحضح حتى تتوارى من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرهم ولا تستنج بالرّوثة ولا العظم ولا تبل في الماء الراكد‏"‏‏.‏

بين ثابت والحسن البصري في المصاحبة في السفر

أراد الحسن البصريّ الحج، فقال له ثابت‏:‏ بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن نصطحب‏.‏ فقال‏:‏ ويحك‏!‏ دعنا نتعايش بستر اللّه، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه‏.‏

للنبي في المرافقة في السفر

وفي الحديث المرفوع عن بقيّة عن الوضين بن عطاء عن محفوظ عن علقمة قال‏:‏ قال رسول الله لرجل من أصحابه‏:‏ ‏"‏أما إنّك إن ترافق غير قومك يكن أحسن لخلقك و أحقّ أن يقتفى بك‏"‏‏.‏

وصية هشام أخي ذي الرّمة لرجل سأله

أتى رجل هشامًا أخا ذي الرّمّة الشاعر فقال له‏:‏ إني أريد السفر فأوصني‏.‏ قال‏:‏ صلّ الصلاة لوقتهم فإنك مصلّيهم لا محالة فصلهم وهي تنفعك، وإياك وأن تكون كلب رفقتكن فإن لكل رفقة كلبًا ينبح دونهم، فإن كان خيرًا شركوه فيه وإن كان عارًا تقلّده دونهم‏.‏

دعاء في طلب ضالّة

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏إذا ضلّت لأحدكم ضالّةٌ فليقل‏:‏ اللهم ربّ الضالّة تهدي الضالّة وتردّ الضالّة اردد عليّ ضالتي، اللهم لا تبلنا بهلاكهم ولا تتعبنا بطلبهم، ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلا باللّه‏.‏ يا عباد اللّه الصالحين ردّوا عليّنا ضالتنا‏.‏

وإذا أردت أن تحمل الحمل الثقيل فقل‏:‏ يا عباد اللّه أعينونا‏.‏

‏"‏وقال أبو عمرو‏:‏ إذا ضلّت لأحدكم ضالة فليتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلّي ركعتين ثم يشهد ويقول‏:‏ بسم اللّه، اللهم يا هم دي الضّال ورادّ الضّال اردد عليّ ضالتي بعزّتكن وسلطانك فإنهم من فضلك وعطائك‏"‏‏.‏

وللنبي

حدّثني محمد بن عبيد عن حمزة بن وعلة عن رجل من مراد يقال له أبو جعفر عن محمد بن عليّ عن عليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال النبي‏:‏ ‏"‏يا عليّ، أمانٌ لأمّتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا بسم اللّه الملك الرحمن‏:‏ ‏{‏وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون‏}‏، ‏{‏بسم اللّه مجريها ومرساها إن ربّي لغفورٌ رحيمٌ‏}‏‏.‏

كتاب عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب عندما أراد الغزو بالبحر

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب قال‏:‏ أراد عمر أن يغزي البحر جيشًا، فكتب إليه عمرو بن العاص‏:‏ يا أمير المؤمنين، البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دودٌ على عود بين غرق وبرق‏.‏ قال عمر‏:‏ لا يسألني اللّه عن أحد حملته فيه‏.‏

قول ابن عمر في السفر

وحدّثني أيضًا عن معاوية عن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال‏:‏ كان ابن عمر يقول في السفر إذا أسحر‏:‏ سمع سامعٌ بحمد اللّه ونعمته وحسن بلائه عليّنا‏.‏ ويقول‏:‏ اللهم صاحبنا فأفضل عليّنا ثلاثًا، اللهم عائذٌ بك من النار ثلاثًا، لا حول ولا قوّة إلا باللّه‏.‏

قول النبي في سفره حين هم جر

وعن الأوزاعي عن حسّان بن عطيّة أن رسول اللّه قال في سفره حين هم جر‏:‏ ‏"‏الحمد اللّه الذي خلقني ولم أك شيئًا مذكورًا، اللهم أعنّي على أهم ويل الدنيا وبوائق الدهر ومصيبات الليالي والأيام وآكفني شرّ ما يعمل الظالمون في الأرض، اللهم في سفري فآصحبني، وفي أهلي فاخلفني، وفيما رزقتني فبارك لي، ولك في نفسي فذلّلني، وفي أعين الصالحين فعظّمني، وفي خلقي فقوّمني، وإليك ربّ فحبّبني، إلى من تكنلني ربّ المستضعفين وأنت ربّي‏"‏‏.‏

وحدّثني أيضًا عن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم عن عبد اللّه بن سرجس قال كان النبي إذا سافر يقول‏:‏ ‏"‏اللهم إنب أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ودعوة الكظلوم وسوء المنظر في الأهل‏"‏‏.‏

وزاد غيره‏:‏ اللهم آطو لنا الأرض وهوّن عليّنا السفر‏"‏‏.‏

قول مطرّف بن عبد اللّه لابنه

وقال مطّرف بن عبد اللّه لابنه‏:‏ الحسنة بين السيّئتين، وخير الأمور أوساطهم‏.‏ وشرّ السير الحقحقة‏.‏

وفي الحديث‏"‏لا تحقحق فتنقطع ولا تباطأ فتسبق ولكن آقصد تبلغوالحقحقة أشدّ السير‏.‏

وفي حديث آخر‏"‏إن المنبتّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى‏"‏‏.‏

وقال المرّار‏:‏

تقطّع بالنزول الأرض عنـا *** وبعد الأرض يقطعه النزول

للأصمعي عن رجل أسرع في سيره

الأصمعيّ قال‏:‏ قيل لرجل أسرع في سيره‏:‏ كيف كان مسيرك‏؟‏ قال‏:‏ كنت آكل الوجبة وأعرّس إذا أسحرت وأرتحل إذا أسفرت وأسير الوضّع وأجتنب الملع فجئتكنم لمسي سبع‏.‏

مسير ذكوان مولى آل عمر بن الخطاب

قال أبو اليقظان‏:‏ من السير المذكور مسير ذكوان مولى أل عمر بن الخطاب، سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة، فقدم على أبي هريرة وهو خليفة مروان على المدينة فصلّى العتمة، فقال له أبو هريرة‏:‏ حاجٌّ غير مقبول منه‏.‏ قال له‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ لأنك نفرت قبل الزوال‏.‏ فأخرج كتاب مروان بعد الزوال وقال‏:‏

ألم ترني كلّفتـهـم سـير لـيلة *** من آل منًى نصًّا إلى آل يثـرب

فأقسمت لا تنفكّ ما عشت سيرتي *** حديثًا لمن وافى بجمع المحصّب

شعر لقيس بن الخطيم في مسير حذيفة بن بدر

ومن السير المذكور مسير حذيفة بن بدر، وكان أغار على هجائن‏"‏النعمان بن‏"‏المنذر بن ماء السماء وسار في ليلة مسيرة ثمان، فقال قيس بن الخطيم‏:‏

هممنا بالإقامة ثم سـرنـا *** كسير حذيفة الخير بن بدر

الشرقي بن القطامي وفتى من أهل الجزيرة صحبه في سفره

قال الشرقي بن القطامي‏:‏ خرجت من الموصل أريد الرّقّة فصحبني فتى من أهل الجزيرة وذكر أنه ولد عمرو بن كلثوم ومعه مزود وزكوة وعصا، ورأيته لا يفارقهم مشاة كنّا أو ركبانا، وهو يقول‏:‏ إن اللّه جعل جماع أمر موسى وأعاجيبه وبراهينه ومآربه في عصاه‏.‏ ويكثر من هذا وأنا أضحك متهم ونًا بما يقول، فتخلّف المكاري فكان حمار الفتى إذا وقف أكرهه بالعصا ويقف حماري ولا سيء في يدي فيسبقني إلى المنزل فيستريح ويريح ولا أقدر على البراح حتى يوافيني المكاري، فقلت‏:‏ هذه واحدة‏.‏ ثم خرجنا من غد مشاة فكان إذا أعيا توكّأ على العصا وربما أحضر ووضع طرفًا على الأرض فاعتمد عليهم ومرّ كأنه سهم زالجٌ حتى انتهينا وقد تفسّخت من الكلال وإذا فيه فضل كثير، فقلت‏:‏ وهذه أخرى‏.‏ فلما كان في اليوم الثالث هجمنا على حيّة منكرة فسارت إلينا فأسلمته إليهم وهربت عنهم فضربهم بالعصا حتى قتلهم، فقلت‏:‏ هذه ثالثة، وهي أعظمهنّ‏"‏، وخرجنا في اليوم الرابع وبنا قرمٌ إلى اللحم فاعترضتنا أرنب فحذفهم بالعصا وأدركنا ذكاتهم فقلت‏:‏ هذه رابعة‏.‏ فأقبلت عليه فقلت‏:‏ لو أن عندنا نارًا ما أخّرت أكلهم إلى المنزل‏.‏ فأخرج عويدًا من مزوده ثم حكّه بالعصا فأورت إيراء المرخ والعفار، ثم جمع ما قدر عليه من الغثاء والحشيش وأوقد نارًا وألقى الأرنب في جوفهم فأخرجناهم وقد لزق بهم من الرماد والتراب ما بغّضهم إليّ، فعلّقهم بيده اليسرى ثم ضرب جنوبهم بالعصا وأعراضهم ضربًا رقيقًا حتى انتثر كل شيء عليهم فأكلناهم وسكن القرم وطابت النفس‏.‏ فقلت‏:‏ هذه خامسة‏.‏ ثم نزلنا بعض الخانات وإذا البيوت ملآنة روثا وترابًا فلم نجد موضعًا نظلّ فيه فنظر إلى حديدة مطروحة في الدار فأخذهم فجعل العصا نصابًا لهم ثم قام فجرف جميع ذلك الروث والتراب وجرد الأرض حتى أظهر بياضهم وطابت ريحهم فقلت‏:‏ وهذه سادسة‏.‏ ثم نزع العصا من الحديدة فأوتدهم في الحائط وعلّق عليهم ثيابه وثيابي فقلت‏:‏ هذه سابعة‏.‏ فلما صرنا إلى مفرق الطريقين وأردت مفارقته قال لي‏:‏ لو عدلت معي فبتّ عندي‏!‏ فعدلت معه فأدخلني منزلًا يتصل ببيعة فما زال يحدّثني ويطرفني الليل كله فلما كان السحر أخذ العصا بعينهم وأخذ خشبة أخرى فقرع بهم العصا فإذا ناقوس ليس في الدنيا مثله وإذا هو أحذق الناس به فقلت له‏:‏ ويحك‏!‏ أما أنت بمسلم‏؟‏ قال‏:‏ بلى‏.‏ قلت‏:‏ فلم ضربت بالناقوس‏؟‏ قال‏:‏ لأن أبي نصراني وهو شيخ كبير ضعيف فإذا شهدت بررته بالكفاية‏.‏ وإذا شيطان مارد وأظرف الناس وأكثرهم أدبًا، فخبرّته بالذي أحصيت من خصال العصا، فقال‏:‏ واللّه لو حدّثتكن عن مناقب العصا ليلة إلى الصباح ما استنفدتهم‏.‏

للنبي

وروى يزيد عن هشام عن الحسن عن جابر قال‏:‏ قال رسول اللّه‏:‏‏:‏ إذا كنتم في الخصب فأمكنوا الرّكاب أسنّتهم ولا تغدو المنازل، وإذا كنتم في الجدب فاستنجوا‏.‏ وعليكم بالدّلجة فإن الأرض تطوى بالليل‏.‏ وإذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان، ولا تصلّوا على جوادّ الطرق ولا تنزلوا عليهم فإنهم مأوى السّباع والحيات ولا تقضوا عليهم الحوائج فإنهم الملاعن‏"‏‏.‏

بين أعرابي أراد السفر وزوجته

وأراد أعرابي سفرًا فقال لامرأته‏:‏

عدّي السنين لغيبتي وتصبّري *** وذري الشّهور فإنهنّ قصار

فأجابته‏:‏

اذكر صبابتنا إليك وشوقنا *** وآرحم بناتكن إنهنّ صغار

فأقام وترك السفر‏.‏

شعر لإسحاق الموصلي

وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي‏:‏

طربت إلى الأصيبية الصّغار *** وهم جك منهم قرب المزار

وكلّ مسافر يزداد شـوقـًا *** إذا دنت الديار مـن الـديار

للنبي

وفي الحديث المرفوع قال ابن مسعود‏:‏ كنّا يوم بدر ثلاثةٌ على بعير فكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول الله فكا إذا دارت عقبتهما قالا‏:‏ يا رسول اللّه اركب ونمشي عنك‏.‏ فيقول‏:‏ ‏"‏ما أنتما بأقوى منّي وما أنا بأغنى عن الأجر منكما‏"‏‏.‏

من خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان

خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فقال في خطبته‏:‏ إذا غزوتم فأطيلوا الأظفار وقصروا الأشعار‏.‏

لعائشة رضي اللّه عنهم، ولبعض الشعراء

وقالت عائشة رضي اللّه عنهم‏:‏ ‏"‏لا سهر إلا لثلاثة‏:‏ مصلٍّ أو عروس أو مسافر‏"‏‏.‏

وقال بعض الشعراء‏:‏

سررت بجعفرٍ والقرب منه *** كما سرّ المسافر بـالإياب

وكنت بقربه إذ حلّ أرضي *** أميرًا بالسّكينة والصّواب

كممطورٍ ببلدته فأضحـى *** غنيًّا عن مطالبة السحاب

وقال آخر في معناه‏:‏

وكنتم فيهم كممطور ببـلـدتـه *** فسرّ أن جمع الأوطان والمطرا

وقال آخر‏:‏

إذا نحن ابنا سالمـين بـأنـفـس *** كرام رجت أمرًا فخاب رجاؤهم

فأنفسنا خير الغـنـيمة إنـهـم *** تؤوب وفيهم ماؤهم وحـياؤهـم

وقال آخر‏:‏

رجعنا سالمين كما بدأنـا *** وما خابت غنيمة سالمينا

‏"‏وما تدرين أيّ الأمر خير *** أما تهوين أم ما تكنرهينا

وقال بعض المحدّثين‏:‏

قبّح الـلّـه آل بـرمـك إنـي *** صرت من أجلهم أخا أسفـار

إن يكن ذو القرنين قد مسح الأر *** ض فإني موكّـل بـالـعـيار

التفويز

مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام

حدّثني أبي، أحسبه عن الهيثم بن عديّ قال‏:‏ لما كتب أبو بكر رضي اللّه عنه إلى خالد ابن الوليد يأمره بالمسير إلى الشأم واليًا مكان أبي عبيد ة بن الجراح، أخذ على السّماوة حتى انتهى إلى قراقر، وبين رقراقر وسوى خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق، فدلّ على رافع ابن عميرة الطائي وكان دليلًا خرّيتًا فقال لخالد‏:‏ خلّف الأثقال وآسلك هذه المفازة إن كنت فاعلًا، فكره خالد أن يخلّف أحدًا وقال‏:‏ لا بد من أن نكون جميعًا‏.‏ فقال له رافع‏:‏ واللّه إن الراكب النفرد ليخافهم على نفسه وما يسلكهم إلا مغرر مخاطر بنفسه، فكيف أنت بمن معك‏؟‏ فقال‏:‏ لا بد من ذلك‏.‏ فقال الطائي لخالد‏:‏ ابغني عشرين جزورًا مسانّ عظامًا‏.‏ ففعل، فظمّأهن ثم سقاهن حتى روين ثم قطع مشافرهنّ وكعمهنّ لئلا تجترّ، ثم قال لخالد‏:‏ سر بالخيول والأثقال فكاما نزلت منزلًا نحرت من تلك الجزر أربعًا ثم أخذت ما في بطونهم من الماء فسقيته الخيل وشرب الناس مما تزوّدوا، ففعل‏.‏ فلما صار إلى آخر المفازة انقطع ذلك وجهد الناس وعطشت دوابّهم، فقال لهم خالد‏:‏ ويحك، ما عندك‏؟‏ قال‏:‏ أدركت الريّ إن شاء اللّه، أنظروا هل تجدون شجرة عوسج على ظهر الطريق‏؟‏ فنظروا فوجدوهم فقال‏:‏ احفروا في أصلهم فحفروا فوجدوا عينًا فشربوا منهم وتزوّدوا، فقال رافع‏:‏ واللّه ما وردت هذه الماء قطّ إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام‏.‏ فقال راجز المسلمين في ذلك‏:‏

اللّه درّ رافع أنّـى اهـتـدى *** فوّز من قرار إلـى سـوى

أرضًا إذا سار بهم الجيش بكى *** ما سارهم قبلك من إنس أرى

قال‏:‏ ولما مرّ خالد بموضع يقال له البشر طلع على قوم يشربون وبين أيديهم جفنة وأحدهم يتغنّى‏:‏

ألا علّلاني قبل جيش أبـي بـكـر *** لعلّ منايانـا قـريب ومـا نـدري

ألا علّلاني بـالـزّجـاج وكـررا *** عليّ كميت اللون صافيةً تـجـري

أظن خيول المسلـمـين وخـالـدًا *** سيطرقك قبل الصباح من البشـر

فهل لكم في السير قبل قتـالـهـم *** وقبل خروج المعصرات من الخدر

فما هو إلا أن فرغ من قوله شدّ عليه رجل من المسلمين بالسيف فضرب عنقه‏.‏ فإذا رأسه في الجفنة، ثم أقبل على أهل البشر فقتل منهم وأصاب من أموالهم‏.‏

للنبي في امرىء القيس

ابن الكلبي قال‏:‏ أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبي فأضلّوا الطريق ووقعوا على غير ماء فمكثوا ثلاثًا لا يقدرون على الماء فجعل الرجل منهم يستذري بفيء السّمر والطلح يأسًا من الحياة، فبينا هم كذلك أقبل راكب على بعير فأنشد بعض القوم بيتين من شعر امرىء القيس‏:‏

لمّا رأت أن الشّـريعة هـمّـهـم *** وأن البياض من فرائضهم دامـي

تيممت العين التي عـنـد ضـارج *** يفيء عليهم الظلّ عرمضهم طامي

فقال الراكب‏:‏ من يقول هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ امرؤ القيس‏.‏ قال‏:‏ واللّه ما كذب، هذا ضارج عندكم‏.‏ وأشار إليه، فجثوا على الرّكب فإذا ماء غدق وإذا عليه العرمض والظلّ يفيء عليه فشربوا منه ريّهم وسقوا وحملوا حتى بلغوا الماء، فأتوا النبي فأخبروه وقالوا‏:‏ يا رسول اللّه أحيانا بيتان من شعر امرىء القيس‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيهم منسيّ في الآخرة خامل فيهم، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار‏.‏

للأصمعي عن رجل من بني سليم

حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ عن رجل من بني سليم أن رفقة ماتت من العطش بالشّجي، فقال الحجاج‏:‏ إني أظنهم قد دعوا اللّه حين بلغهم الجهد فاحفروا في مكانهم الذي ماتوا فيه لعل اللّه يسقي الناس‏.‏ فقال رجل من جلسائه‏:‏ إيهم الأمير قد قال الشاعر‏:‏

تراءت لي بين اللّـوى وعـنـيزةٍ *** وبين الشّجي مما أحال على الوادي

واللّه ما تراءت له إلا وهي على ماء‏.‏ فأمر الحجاج عضيدة السلمي أن يحفر بالشجي بئرًا فحفر فأنبط، ويقال‏:‏ إنه لم يمت قوم قطّ عطشا إلا وهم على ماء‏.‏

قالت العرب‏"‏أن ترد الماء بماء أكيس‏"‏‏.‏

ويقال في مثل‏:‏ ‏"‏برد غداة غرّ عبد ًا من ظمأ‏"‏‏.‏